Thursday, May 28, 2009

D. J.

شاهدت مؤخرًا فيلم عبد الله شركس الروائي الأول، وهو الفيلم الذي عملت فيه كمساعد للإخراج وأتذكره دائمًا بشئ من الغبطة شأنه في ذلك شأن كل الأفلام التي عملت فيها في الإطار "المستقل" هذا. فلقد كنت قد قرأت السيناريو ي إطار عملية التحضير للفيلم مع عبد الله كما أنني سعدت كثيرًا بوجود محمد رشاد خلف الكاميرا في هذا الفيلم، لقد كان أكثرنا خبرة في العمل وكان وجوده يشيع شيئًا من الإطمئنان في المكان، فهو دائمًا جاهز لحل أي مشكلة بعملية شديدة

لا أنكر أن العالم الذي تدور فيه القصص التي يهتم بها عبدالله لهو عالم غريب عني بعض الشئ، فأنا لم أهتم بالشعر مطلقًا في حياتي سوى في فترة متأخرة جدًا على يد علاء خالد، ولازلت حتى الآن ينفرني من الشعر ما يجذب الكثيرين له من قافية محبوكة وما إلا ذلك، أعلم أن هذه نظرة سطحية إلى حد ما في التعامل مع "مملكة الشعر" وأنا دائمًا أعتذر لجهلي، وإعتقد أنني سوف أظل على هذا الحال لفترة كبيرة. إذن فمحنة شاعر شاب وهو في إنتظار الوحي لا تشكل موضوعًا جذاب بالنسبة لي، كما أنني لست مهتمًا بعوالم المخدرات وكيفية "أن تقضي" وما إلى ذلك. ربما تشكل فكرة الخروج من "شلة" والولوج في أخرى موضوعًا مميزًا لدى معظم الشباب، لكنها لم تلفت نظري بشكل كبير أثناء قراءتي الأولى للسيناريو بل ربما ظهرت جلية أثناء التصوير. لكن أكثر ما شدني إلى السيناريو هو تركيبه الذي يتمحور حول بطله وجرأته - جرأة السيناريو - في الإقدام على تكرار مشهد معين بنفس الطريقة مرتين، خاصة وأنه مشهد بسيط لا يميزه سوى تفصيلة شديد البساطة (وهي أن يقوم البطل بالضغط على زر نور السلم كلما ساد الظلام). أعتقد أن تلك التفصيلة كانت أكثر ما جذبني للفيلم كما أنني أعتقد أن هذه التفصيلة، على بساطتها، أصبحت ذات قوة كبيرة في النسخة النهائية من الفيلم

إختلفت النسخة النهائية من الفيلم عن السيناريو الأول كثيرًا، وأعتقد أن السبب يكمن في أن عبدالله كان يتأرجح بتفكيره طوال الوقت بين "الذاتي" و"العام" وأنه قد قرر أن يرجح "العام" في النسخة الأولى، ولكنه من الواضح أنه لم يكن راضيًا بشكل كاف حتى هذه اللحظة عن نتاج عمله، وربما أنه "تجرأ" بعد أن شهد إغراق كبير في الذاتية لدى أقرانه (مارك لطفي وبلال حسني). أعني بالذاتية هنا الموضوعات المتصلة بشكل مباشر بإهتمامات المؤاف، بصرف النظر عن مدى شعبيتها لدى الجمهور. أعتقد أن هذا ساعد عبدالله أن يتحرر من تحفظه وأن يضع "نفسه" في فيلمه. فإذا به يقف وراء الميكسر ويوجهنا عن طريق إختيار نوعية الموسيقى. كان لهذا أثر إيجابي في نفسي، ربما لأنه أفاد "القصدية" الشديدة في إستخدام هذا النوع بالذات من الموسيقى في تلك اللحذظة، فهي ليست موسيقى لطيفة ومناسبة، بل هي فقط التي يمكن إستخدامها بالنسبة لعبدالله في تلك اللحظة

يحسب لعبدالله قدرته على التحكم في هذا الكم الكبير - نسبيًا - من الممثلين، ويحسب له إسناد دور رئيسي لممثل غير محترف (مصطفى البنهاوي)، ولقد جاء إختيار البنهاوي بنقطة إيجابية كبيرة وهي وجود هذا النمط التلقائي من التمثيل الذي تفتقر إليه معظم الأفلام التي تعتمد في إختيار الممثلين على الخلفية المسرحية لهم، فلقد جاء تمثيل البنهاوي "خارج العلبة" تمامًا وربما كان هذا نفسه ضد الفيلم فهو الوحيد الذي يمثل بهذه الطريقة المبسطة غير عابئ بوجود كاميرا أو إضاءة، ولكن ربما كان هذا مريحًا بالنسبة للمخرج حيث تجئ هذه الشخصية فجأة لتغير إتجاه البطل، ثم تختفي، وأعتقد أن هذا التخمين أقرب إلى الصحة، حيث تميز بشدة مكان تصوير مشهد ظهور تلك الشخصية عن باقي الأماكن وظهر فيه إعتناء يصل إلى حد التنميق في "الكادراج" ثم المونتاج لاحقًا

بقى أن أذكر أن ما دفعني للكتابة هو عجبي من إنجذابي الشديد أثناء مشاهدتي الأخيرة للفيلم، فكما ذكرت من قبل، الموضوع الأساسي ليس ذو أهمية كبيرة بالنسبة لي، ومع ذلك إستطاع الفيلم أن يمسك بي حتى التيتر